کد مطلب:239519 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:144

العلویون یدرکون نوایا المأمون
ان نوایا المأمون تجاه العلویین، و محاولاته لاسقاطهم اجتماعیا، و ابتزازهم سیاسیا .. حتی اذا أخفق فی ذلك راح یختلهم واحدا فواحدا، كلما و اتاه الظرف، و سنحت له الفرصة .. لم یكن العلویون یجهلونها، بل كانوا یدركونها كل الادراك، و لم تكن تخدعهم تلك الشعارات و الأسالیب المبهرجة .. و حسبنا هنا أن نذكر فی مقام التدلیل علی هذا : أن المأمون كتب لعبدالله بن موسی، بعد وفاة الرضا، یعده بأنه یجعله ولی عهده، و یقول له : « ما ظننت أن أحدا من آل أبی طالب یخافنی بعد ما عملته بالرضا » ..

فأجابه عبدالله یقول : « وصل الی كتابك، و فهمته، تختلنی فیه عن نفسی ختل القانص، و تحتال علی حیلة المغتال، القاصد لسفك دمی . و عجبت من بذلك العهد ، و ولایته لی بعدك ، كأنك تظن : أنه لم یبلغنی ما فعلته بالرضا ؟! ففی أی شی ء ظننت أنی أرغب من ذلك ؟ أفی الملك الذی غرتك حلاوته ؟! .. الی أن یقول : أم فی العنب المسموم الذی قتلت به الرضا ؟! » . و یقول له أیضا - و الظاهر أنه نص آخر للرسالة - : « هبنی لا ثأر لی عندك، و عند آبائك المستحلین لدمائنا الآخذین حقنا، الذین جاهروا فی أمرنا، فحذرناهم . و كنت ألطف حیلة منهم ؛ بما استعملته من الرضا بنا، و التستر لمحننا، تختل واحدا،



[ صفحه 248]



فواحدا منا الخ .. » [1] .

و لابد من ملاحظة : منافاة وعده هذا لعبدالله بن موسی بأن یجعل له ولایة العهد .. للرسالة التی أرسلها الی العباسیین فی بغداد ، فور وفاة الرضا (ع)، و یعدهم فیها بأن یجعل ولایة العهد فیهم، و سنشیر الی رسالته لهم فی فصل : مع بعض خطط المأمون ان شاء الله و علی كل حال .. فاننا نستطیع أن نفهم من هذه الرسالة التی لعبدالله بن موسی أمورا، نشیر الی بعضها :

أولا : ان المأمون كان قد جعل ولایة العهد وسیلة لختل الشخصیات التی كان یخشاها، و الغدر بها ؛ اذ أن من المقبول و الطبیعی - كما یری البعض - أن یكون ولی العهد هو الذی یتآمر، و یدبر للتخلص من الخلیفة الفعلی، لیختصر المسافة، و یصل الی الحكم، الذی ینتظر الوصول الیه، و الحصول علیه بفارغ الصبر . و لیس من الطبیعی، و لا من المقبول أن یتآمر الخلیفة علی ولی عهده، الا اذا كان یرید أن یجعل الخلافة لمن هو أعز علیه منه، و هذا ما نفاه المأمون عن نفسه فی أكثر من مناسبة .

و هكذا ... فان النتیجة تكون : هی أن الخلیفة الفعلی یكون آخر من یتهم فی ولی العهد، اذا ما راح ضحیة التآمر و الاغتیال، و عرف الناس ذلك . و هذا بلا شك من جملة ما كان یریده المأمون، و یسعی الیه ..

ثانیا : ان المأمون رغم الصعوبات التی واجهها فی فترة تولیة الرضا (ع) العهد ... یبدو أنه كان یعتبر نفسه منتصرا و ناجحا فی لعبته تلك، و لذلك نری أنه قد حاول تكرار نفس اللعبة مع عبدالله بن



[ صفحه 249]



موسی . و لكن یقظة هذا الأخیر، الذی كانت ظروفه تختلف عن ظروف الامام (ع) قد فوتت علیه الفرصة، و أعادته . بخفی حنین .

كما أننا لا نستبعد أن المأمون قد أراد بالاضافة الی ذلك التستر علی غدره بالرضا (ع)، بعد أن كان قد افتضح و اشتهر، رغم محاولاته الجادة للتستر و الكتمان ..

ثالثا : ما تقدمت الاشارة الیه من أن اكرامه للعلویین، و الرضا بهم، و التستر لمحنهم، ما كان منه الا ضمن خطة مرسومة، و الا سیاسة منه و دهاء، من أجل أن یأمن العلویون جانبه، و یطمئنوا الیه، كما یدل علیه قوله لعبدالله بن موسی : « ما ظننت أحدا من آل أبی طالب یخافنی بعد ما عملته بالرضا » . و قد قدمنا أنه أشار الی ذلك أیضا فی كتابه للعباسیین ؛ فلا نعید ..

رابعا : أنه لم یستطع أن یخفی عن العلویین - كما لم یستطع أن یخفی عن غیرهم - غدره بالامام الرضا (ع)، و سمه له بالعنب، و كذلك غدره بغیره من العلویین . و سر ذلك واضح ؛ فان جمیع الدلائل و الشواهد كانت متوفرة علی ذلك ، كما سیأتی بیان جانب من ذلك فی فصول هذا الكتاب بنوع من التفصیل .


[1] مقاتل الطالبيين للاصفهاني ص 628، الي ص 631 ، و سنورد الرسالة في أواخر هذا الكتاب ان شاء الله.